فصل: فصل في الرضاع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في الرضاع:

هو لغة بفتح الراء وكسرها مع إثبات التاء وتركها من باب تعب في لغة نجد، ومن باب ضرب في لغة تهامة وأهل مكة يتكلمون بهما قاله في المصباح. عياض: وأرضعته أمه وامرأة مرضع أي لها ولد ترضعه فإن وصفتها بإرضاع الولد قلت مرضعة قال في الكافية:
وما من الصفات بالأنثى يخص ** عن تاء استغنى لأن اللفظ نص

وحيث معنى الفعل ينوي التاء زد ** كذي غدت مرضعة طفلاً ولد

وحاصله؛ أنه إن أريد أنها ترضع بالقوة فيجرد من التاء وإن أريد أنها ترضع بالفعل فتثبت التاء قاله (م). وشرعاً قال ابن عرفة: هو وصول لبن آدمي لمحل مظنة غذاء آخر، ثم علل تعريفه بالوصول الشامل للوصول من الفم وغيره بقوله: لتحريمهم بالسعوط والحقنة ولا دليل إلا مسمى الرضاع. اهـ. لكن لابد أن يصل للجوف من منفذ واسع ولو ظناً أو شكاً وإن من أنف وهو السعوط بفتح السين لا من عين أو أذن فلو وصل للحلق ورد فلا. ولابد أن يحصل في الحقنة الغذاء به بالفعل، ولا تكفي المظنة ولابد أيضاً أن يحصل قبل الاستغناء عنه بالطعام فإن استغنى ولو داخل الحولين فلا.
وَكُلُّ مَنْ تَحْرُمُ شَرْعاً بِالنَّسَبْ ** فَمِثْلُهَا مِنَ الرَّضَاعِ يُجْتَنَبْ

(وكل من) مبتدأ ومضاف إليه (تحرم) صلة الموصول (شرعاً) تمييز أو منصوب على إسقاط الخافض وهو أظهر معنى (بالنسب) يتعلق بتحرم (فمثلها) مبتدأ (من الرضاع) حال منه على ضعف (يجتنب) بالبناء للمفعول خبر المبتدأ الثاني والثاني وخبره خبر الأول ودخلت الفاء في هذا الخبر لشبه المبتدأ بالشرط في العموم والإبهام. والمحرم شرعاً بالنسب سبع: وهي المذكورات في قوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم} (النساء: 23) الآية والمحرم من الرضاع سبع أيضاً: اثنان بالكتاب وهي الأم من الرضاع والأخت من الرضاع لقوله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} (النساء: 23) والباقي بالسنة وهي البنت من الرضاع والعمات منه والخالات منه وبنت الأخ منه وبنت الأخت منه لقوله (صلى الله عليه وسلم): (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب). فلما كان اللبن يحرم من قبل المرضعة ومن قبل الفحل نزلت المرضعة منزلة أم النسب فحرمت على الرضيع هي وبناتها وإن سفلن لأنهن أخوات للرضيع أو بنات أخت له وأخواتها لأنهن خالات وأمهاتها وإن علين لأنهن جدات له، ونزل الفحل منزلة الأب فحرم من قبله على الرضيع ما يحرم عليه من قبل أبي النسب فيحرم على ذلك الرضيع إن كان ذكراً أن يتزوج بأم أبيه من الرضاع وإن علت لأنها جدته، وبابنة أبيه منه لأنها أخته، وبأخت أبيه لأنها عمته، وبابنة أخته أو أخيه منه، وهكذا وإن كان الرضيع أنثى فيحرم عليها أن تتزوج بأبيها منه ولا بأبيه لأنه جدها وإن علا، وبأخي أبيها منه لأنه عمها وبأخيها وبابن أخيها وأختها منه وإن سفلوا، ولا تحرم الأم التي أرضعتك على أخيك ولا على أبيك وكذا بناتها. (خ): وقدر الطفل خاصة ولداً لصاحبة اللبن ولصاحبة من وطئه لانقطاعه ولو بعد سنين إلخ. وقال في الرسالة: ومن أرضعت صبياً فبنات تلك المرأة وبنات فحلها ما تقدم أو تأخر أخوات له ولأخيه نكاح بناتها. اهـ. وكذا نكاحها إذ لا رضاع بينه وبينها ولا نسب. وحاصله أن زيداً إذا أرضعته هند مثلاً وزوجها خالد ولهما ابن اسمه عمرو فاجعل زيداً كعمرو في الحكم من غير فرق أصلاً، فكل من يحرم على عمرو يحرم على زيد، ويأتي قول (خ) في النكاح: وحرام أصوله وفصوله إلخ. فكل ما تفرع من أبناء زيد فحكمهم حكم أبيهم زيد، وكذا ابن زيد رضاعاً أي من رضع في لبنه بخلاف أصول زيد وأخوته فلا تحرم عليهم هند ولا أخواتها ولا بناتها من أجل إرضاع زيد بل إن كان هناك سبب آخر للحرمة اعتبر من مصاهرة أو رضاع فكذلك وإلاَّ فلا، وبالجملة فالرضيع وفروعه نسباً ورضاعاً يحرم عليهم المرضعة وفروعها نسباً ورضاعاً، وكذا يحرم عليهم أصولها نسباً ورضاعاً، وكذا أصول بعلها وفروعه من غيرها نسباً ورضاعاً وإن علوا الأصول أو سفل الفروع في الجميل، وكذا يحرم عليهم حواشيها وحواشي بعلها، وأما أبناء حواشيها فلا يحرموا على الرضيع فضلاً عن فروعه كالنسب، وأما أصول الرضيع وحواشيه نسباً ورضاعاً فلا تحرم عليهم المرضعة ولا فروعها ولا أصولها ولا حواشيها وهم المستثنون وفي كلام (خ) وانظر بسط اعتراض ابن عرفة على ابن دقيق العيد في الاستثناء الذي أشار له (خ) بقوله: إلا أم أخيك إلخ. في الورقة السابعة والعشرين والمائة من أنكحة المعيار واعتراضه مناقشة لفظية لا غير، وبالجملة فوجه اعتراضه أن قوله عليه السلام: (يحرم بالرضاع) إلخ. أي بسبب الرضاع فالباء سببية ولا رضاع بينك وبين أم أخيك من الرضاع فلم تدخل معناه حتى يحتاج إلى استثنائها وأم أخيك من النسب لم تحرم من جهة كونها أم أخيك، بل من جهة أنها أمك أو زوجة أبيك، وهكذا والله أعلم.
فإنْ أقَرَّ الزَّوْجُ بالرِّضَاعِ ** فَهُوَ إلى فَسْخِ النِّكَاحِ دَاعي

(وإن أقر) شرط (الزوج) فاعل (بالرضاع) يتعلق بفعل الشرط (فهو) مبتدأ عائد على الإقرار المفهوم من أقر (إلى فسخ النكاح) يتعلق بالخبر الذي هو قوله (داعي) والجملة جواب الشرط دلت عليه الفاء لأنه لا يصلح لأن يكون شرطاً، وظاهر النظم أنه يفسخ وجوباً قبل الدخول وبعده وهو كذلك، وسيأتي حكم ما إذا لم يقر ولكن يثبت ببينة ولو رجلاً وامرأة أو امرأتين إن فشا فإنه يفسخ أيضاً بعد الإعذار والعجز عن الدفع كما يفهم مما قبل هذا، لكن إن فسخ بالبينة فلا شيء لها قبل البناء وإن فسخ بعده فلها الصداق كله بخلاف ما إذا فسخ بالإقرار فلها الكل بعده والنصف قبله كما قال:
ويَلْزَمُ الصَّدَاقُ بالبِنَاءِ ** ونِصْفُهُ مِنْ قَبْلِ الابتناءِ

(ويلزم) بالنصب (الصداق) فاعله (بالبناء) يتعلق بيلزم والجملة في محل جر معطوفة على فسخ (ونصفه) مبتدأ خبره قوله (من قبل الابتناءِ) والجملة معطوفة على الجملة قبلها أي فإقراره داع إلى فسخ النكاح وإلى لزوم كل الصداق بالبناء ولزوم نصفه من قبل الابتناء، وإنما لزمه النصف في الإقرار قبله لاتهامه على أنه إنما أقر ليسقط عنه نصف الصداق، ولذا لم يكن عليه شيء إذا أقام بينة على ما ادعاه من الرضاع أو على أنه كان يقر به قبل العقد أو صدقته المرأة في دعواه كما في المتيطية.
كَذَاكَ بالإقْرَارِ مِنْهُمَا مَعا ** لا بِاعْتِرَافِ زوجَةٍ إنْ وَقَعا

(كذاك) يتعلق بفعل مقدر (بالإقرار) يتعلق بذلك المقدر (منهما) يتعلق بالإقرار (معا) حال أي كذلك يفسخ بإقرارهما معاً وظاهره أقرا معاً قبل العقد أو بعده، لكن إن فسخ قبل الدخول بسبب إقرارهما به قبل العقد أو بعده فلا شيء لها وإن دخل فلها المسمى إن كان أو صداق المثل سواء دخلا عالمين به أو جاهلين ثم تذكرا أو عالماً به هو وحده فإن علمت بالرضاع وحدها حين الدخول وأنكر هو العلم ولكن صدقها فيه فلها ربع دينار فقط لأنها غارة (خ) وفسخ نكاح المتصادقين عليه كقيام بينة على إقرار أحدهما قبل العقد ولها المسمى بالدخول إلا أن تعلم فقط فكالغارة إلخ. (لا) عاطفة (باعتراف) معطوف على بإقرار (زوجة) مضاف إليه (إن وقعا) شرط حذف جوابه للدلالة عليه. والجملة في محل جر صفة لاعتراف، ويحتمل أن يكون باعتراف متعلقاً بوقعا، والجملة معطوفة على مقدر قبلها أي كذلك يفسخ إن ثبت بإقرارهما لا إن وقع باعتراف زوجة، لكن يعكر عليه أن لا تعطف الجمل كما يرد على الأول أن الجملة الشرطية لا تكون وصفاً. وظاهر النظم أن إقرارهما لا يوجب فسخاً ولو كان قبل العقد وليس كذلك، بل إقرارهما أو إقرار أحدهما قبل العقد موجب للفسخ مطلقاً قبل البناء وبعده كما في المتيطية وغيرها، فيقيد كلام الناظم بما إذا أقرت بعد العقد (خ): وإن ادعته أي الرضاع بعد العقد لم يندفع ولا تقدر على طلب المهر قبله أي قبل الدخول.
وَيُفْسَخُ النِّكاحُ بالعَدْليْنِ ** بِصِحَّةِ الإرْضاعِ شاهِدَيْنِ

(ويفسخ النكاح) فعل ونائبه (بالعدلين) يتعلق بيفسخ (بصحة الإرضاع) يتعلق بالحال الذي هو قوله (شاهدين).
وِبِاثْنَتَيْنِ إنْ يَكُنْ قَوْلُهُمَا ** مِنْ قَبْلِ عَقْدٍ قد فَشا وعُلما

(وباثنتين) معطوف على العدلين (إن يكن) شرط (قولهما) اسم يكن (من قبل عقد) يتعلق بقوله (قد فشا وعلما) معطوف على فشا، والجملة من فشا ومتعلقه ومعطوفه خبر يكن، ويجوز أن يكون المجرور متعلقاً باسم يكن ويجوز أن يكون خبرها وجملة فشا في محل نصب على الحال من الاستقرار في الخبر.
ورجُلٍ وامْرَأةٍ كَذا وَفي ** واحِدَةٍ خُلْفٌ وفي الأوْلَى اقْتُفِي

(ورجل وامرأة) بالجر معطوفان على العدلين (كذا) في موضع الصفة أي كائنين كذا أي فاشياً من قولهما أيضاً، ويجوز أن يكون رجل مبتدأ على حذف مضاف أي وشهادة رجل وامرأة كائنة كذلك في إيجاب الفسخ. (وفي واحدة) خبر عن قوله (خلف وفي الأولى) بفتح الهمزة وسكون الواو يتعلق بقوله: (اقتفي) والجملة استئنافية، ومعنى اقتفي اتبع.
والحاصل أن الرضاع يثبت بعدلين ويفسخ النكاح بهما اتفافاً وإن لم يفش من قولهما قبل العقد وبامرأتين وبرجل مع امرأة بشرط الفشو في هاتين الصورتين اتفاقاً أيضاً لا بدون فشو فلا يفسخ ولا يثبت بهما الرضاع فيهما على المعتمد، وإن كان فيه خلاف قوي، وأما المرأة الواحدة فمع عدم الفشو لا يثبت اتفاقاً ومع الفشو فيها قولان. عدم الثبوت وهو لابن حبيب عن ابن القاسم، والثاني يثبت ويفسخ بذلك النكاح وهو في المدونة. ابن فتوح: وهو أظهر نقل ذلك ابن سلمون (خ): لا بامرأة ولو فشا وندب التنزه مطلقاً إلخ. ثم إنه لا تشترط العدالة مع الفشو على الراجح إذ هو قول ابن القاسم من روايته عن مالك ويبقى النظر في الرجل الواحد إذا حصل من قوله فشو قبل العقد فإنه أقوى من المرأة مع الفشو فيقتضي ذلك ثبوت الرضاع به قاله ابن رحال قال: ولم أقف فيه على شيء بعد البحث عنه.
تنبيهان:
الأول: يثبت الرضاع أيضاً بالسماع الفاشي بإقرار أحد الزوجين قبل العقد قاله القلشاني. وتقدم أول الفصل الذي قبل هذا وفي فصل شهادة السماع أن الرضاع مما يثبت بالسماع. وإن لم يكن عن الثقات، لكن إنما يعمل به قبل العقد وإلاَّ فلا إن أنكر الزوج لقولهم لا ينزع به من يد حائز وهذا هو الظاهر فانظره هناك.
الثاني: في المتيطية عن ابن القاسم في المبسوط: أن شهادة المرأتين بالرضاع عاملة سواء قامتا حين علمتا بالنكاح أو بعد ذلك. وقال ابن نافع: لا تقبل إلا أن يقوما عند النكاح وأما بعد طول فلا.
قلت: وهذا الثاني هو الجاري على قول (خ) وفي محض حق الله تجب المبادرة بالإمكان إن استديم تحريمه كعتق ووقف وطلاق ورضاع إلخ. قال في المتيطية، إثر ما مر: وأداء المرأتين لا يكون إلا معاً ولا يجوز بافتراقهما لقوله تعالى: {فتذكر إحداهما الأخرى} (البقرة: 282) ولا يذكرك إلا من حضرك قاله أبو محمد، ورده بعض الموثقين بأنه قد يتأتى التذكير قبل الأداء ثم يفرقان عنده، وقيل معنى تذكر إحداهما الأخرى تصيرها في الشهادة كذكر. اهـ.